ولقد كان الفراعنة يعتمدون على تلك النباتات الطبية والعطرية التي تنتجها التربة المصرية ؛ بجانب أنواع أخرى يستوردونها من الخارج كالأرز والغار والصنوبر والزعتر والمريمية، وكذلك مواد البخور ومنها خشب الورد والفتنة والسعد ، وحب العزيز واللبان الذكر والصندل.
الوضع الحالي للنباتات الطبية عالميا:
في بداية الحرب العالمية الأولى بدأت ألمانيا بدراسة الأعشاب البرية والاستفادة منها في الأغراض الطبية ، وتلتها دول أوربية أخرى ،ولقد كان هذا إيذانا بتحول مصر من دولة مستوردة لبعض النباتات الطبية إلى دولة لها فرص للتصدير لأوروبا وأمريكا ، ودول أخرى على رأسها الصين والهند. هذا وقد زاد الاهتمام بالنباتات الطبية في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، حينما تأكد أن المركبات الكيميائية المخلقة صناعيا لا تتحطم داخل أجسام الأحياء ، مما يؤدى إلى تراكمها بالأعضاء المختلفة مسببة أضرار صحية ؛ الأمر الذي دعا إلى التشديد نحو الابتعاد عالميا جهد الطاقة عن تلك المركبات ، والاتجاه للانتفاع بالكائنات الحية شاملة النباتات الطبية والعطرية ، باعتبار أن المواد الكيميائية الطبية المتواجدة بها يتم بناؤها من سلسلة من التفاعلات الحيوية ، ويمكن بذلك أن تنكسر داخل الجسم عن طريق سلسلة أخرى من التفاعلات الحيوية.
وفى هذا الإطار قامت الدول بتحديد كافة المواصفات الخاصة بما يستورد من تلك النباتات ومستخلصاتها ، شاملة أسلوب تجهيزها وتعبئتها ، وضرورة خلوها من المبيدات الكيماوية والأسمدة وكافة أنواع الملوثات الحيوية والكيميائية ؛ مع تحديد نسبة المادة الفعالة بها.
على الجانب الأخر قامت الدول المتهمة بالتصدير - وبخاصة الصين والهند - عن طريق اتحاداتها بوضع الخطط التنفيذية التي تؤهلها للتصدير تنافسيا لتلك النباتات ومستخلصاتها ،أخذة في الاعتبار المواصفات التي يطلبها المستورد ، مع مراعاة احتياجات السوق المحلية من الأعشاب والتوابل ، والتوجه الكامل نحو الإنتاج المحلى للأدوية الحيوية ، وبذل أقصى الجهود الممكنة لتوفير مصادر المواد الخام اللازمة لها محليا ، وإنشاء البنوك الوراثية التي ترفع من كفاءة المواد الفعالة للمنتجات المصدرة.
وبمراجعة الوضع الحالي والمستقبلي للنباتات المصرية فإننا نجد أنه:
على مر العصور كانت النباتات الطبية والعطرية تشغل بال المصريين في حياتهم العامة والخاصة وصلواتهم ، وحتى تقربهم بها بعد الوفاة إلى ربهم يوم القيامة.
أما الآن فهناك اهتمام واضح نحو تحمل المسئولية الكاملة من الذين لهم علاقة بتلك المحاصيل ، عن طريق التكامل الوثيق المطلوب بين المجموعات الفنية والإدارية المختلفة المرتبطة بها. وتهتم الدولة بتعظيم وتفعيل دور النباتات الطبية والعطرية في كافة المجالات المرتبطة بها محليا وتصديريا ؛باستكمال الدراسات البيئية الشاملة الخاصة بها المفهوم الحديث، وهو عمل قاعدة لنظم المعلومات الجغرافيا ، ويجب كذلك العمل على تشجيع التنسيق بين الجهات المختلفة في إطار التغيرات العالمية الحديثة، مع الاستفادة من خبرة الاتحادات القائمة بالدول الأخرى.
وفيما يلي النقاط الجديرة بالدراسة في مجال النباتات الطبية والعطرية قوميا ودوليا:
أولا: في مجال الدواء:
تكون النباتات الطبية والعطرية المتواجدة في البلاد العربية وأفريقيا جزءا هاما من المواد الأساسية التي تدخل في صناعة الدواء ، مما يستدعى الاهتمام والعمل الجاد لإنتاج الدواء ومواده الخام من المحاصيل المتواجدة بالمنطقة ، سعيا للاكتفاء الذاتي كلما تيسر ذلك.
وذلك عن طريق :
- دراسة النباتات شائعة الاستعمال ، والتعرف على قيمتها الطبية والمواد الفعالة بها ، مع العمل على الاكتفاء الذاتي من تلك النباتات ، وتحسينها وراثيا بغية رفع النسبة المئوية للمواد الفعالة بها ، بجانب الاهتمام بخلوها من أية ملوثات حيوية أو كيماوية، على أن تكون عبواتها مقبولة صحيا وتسويقيا.
- عمل حصر شامل لاحتياجات الدول الغربية من المواد الغربية من المواد الخام شاملة الزيوت الأساسية ، أو النصف مصنعة ، أو كاملة التصنيع ، وذلك طبقا للمواصفات المطلوبة للتصدير ؛ لتصبح مصدرا هاما لتحضير تلك الأدوية ومفرداتها.
- التخطيط العملي المتكامل على أسس البحث العلمي والتكنولوجي المتقدم بغية الإنتاج والتصدير ، وضرورة الربط المتكامل بين الجهات والخبرات النادرة المختصة بإنتاج الأدوية المطلوبة ؛ القابلة للتسجيل العالمي في السوق المحلى والخارجي.
ثانيا : في مجال الزراعة:
- أ- العمل على تواجد قاعدة بيانات حديثة وصحيحة عن نوعية النباتات ، سواء المخصصة للمجال الطبي أو الزراعي ، والمواقع والمساحة والإنتاجية ، بهدف السعي لاعتماد خطة شاملة لتجميع وتركيز زراعة المحاصيل بالمواقع التي تجود فيها زراعة أي من هذه الأصناف ، بجانب العمل على توافر العمالة المدربة اللازمة لها . ويرتبط بهذا إنشاء مراكز لتجميع وتجفيف وفرز وتعبئة وتخزين الإنتاج الطازج أو المجمد أو المجفف ، والمستخلص على هيئة زيوت أساسية ، وذلك وفقا للأساليب العلمية والصحية والبيئية الحديثة ، مما يعمل على توفير محاصيل جيدة عالية الإنتاج ،وخالية من أي نوع من أنواع التلوث الحيوي والكيميائي الذي يحول دون تصديرها . ويتم ذلك من خلال تعاون السلطة التنفيذية مع جمهور المصدرين بالمنطقة ، والمؤسسات الفنية والاجتماعية التي ترعى الشباب ، وتهيئ لهم فرص العمل الفني . بجانب ذلك فانه مواقع متفرقة تحوى مواقع النباتات الطبية البرية ، يستغل بعضها اقتصاديا بأسلوب غير شرعي ، وهذه يلزم تحديدها بغرض استغلالها قوميا لأهميتها الاقتصادية والعلمية معا.
- ب - من الأهمية بمكان تفادى زراعة تلك المحاصيل في أراضى سبق زراعتها بمحاصيل كانت تعامل بمبيدات كيميائية ، حيث تنقل هذه الكيماويات للتربة وتلوثها ؛ وبالتالي لا تصلح محاصيلها للاستهلاك المحلى أو الخارجي ، وفى هذا المجال فانه ليس من المقبول إضافة أي من تلك المحاصيل - وخاصة المنزرعة في الحيازات الصغيرة - إلى الكميات القابلة للتصدير ، إذ من المحتمل أن تكون حاوية لمتبقيات المبيدات ، ويتسبب عنها لرفض الرسالة بالكامل تصديريا.
- ج - يتعين الاهتمام بالتحسين الوراثي لتلك المحاصيل ؛ بالانتفاع بالبنوك الوراثية ، باعتبار أن كافة الدول المنافسة لمصر في التصدير تمتلك تلك البنوك التي تنتج محاصيل محسنة ؛ نتيجة ارتفاع نسبة المادة الفعالة ، وتميزها بصفات أخرى مطلوبة تصديريا كانت تنفرد بتواجدها في فترة زمنية دون غيرها ، كما تتميز بعض تلك الدول بمداومة الحصول على نباتات طبية من الخارج ؛ معروفة بارتفاع القيمة الاقتصادية لها عالميا.
وأخيرا وليس أخيرا فان الاستغلال الاقتصادي الأمثل للنباتات الطبية هو الاتجاه نحو التصنيع والتصدير للمنتجات الطبية والزراعية ، وسوف يستدعى ذلك التخطيط العلمي والتكنولوجي المتكامل ، والربط الكامل بين الجهات والخبرات النادرة في تلك المجالات ، وسوف تكون النباتات العربية والأفريقية مصدرا جيدا لتلك المهمة.
وعلى الجانب الأخر فمن الجدير بالذكر أن العديد من تلك النباتات تتميز بصلاحيتها لأكثر من نشاط ،باعتبارها موارد طبيعية متعددة المنافع ، مما يوجب الاستفادة الاقتصادية الكاملة منها ،وعلى سبيل المثال فان نبات العرقسوس الذي يتواجد بريا في المنطق القاحلة ، خاصة محافظة الوادي الجديد، لا ينصح بزراعتها في الأراضي الزراعية - يحوى مادة الجلسيرهيزين بدرجة حلاوة قيمتها 50 ضعف مقارنة بسكر القصب ؛ لذا يمكن أن يستخدم العرقسوس كمشروب منعش وملين ، ويدخل في صناعة الحلويات والمكسرات، وفى تغطية الطعوم غير المقبولة للأدوية ،وخاصة أدوية الأطفال ، وفى صناعة السجاير والمعسل ، وكما أنه يحوى مادة شبيهة بالكورتيزون ، ولذلك يستخدم كمضاد لالتهابات وألام قرحة المعدة والكلى والكبد كما يستخدم في مضخات الحريق والصناعات الجلدية.
المصدر:
- أ . د /عبد المنعم ماهر/ أستاذ بجامعة أسيوط ورئيس مجلس إدارة الشركة العربية لتطهير البيئة (أدرايس)/ مجلة شمس / العدد 43