لم يعرف الفلاح المصري زراعة البن أو الشاى باعتبارهما محصولين استوائيين لا تجود زراعتهما فى مصر ، وعندما أريد إدخال النباتات الاستوائية الى مصر ، اختير لزراعيتها جزيرة النباتات بأسوان ، باعتبارها أقرب المناطق المصرية للمناخ الاستوائى ، وفات الكثيرين أن ما يجود نموه فى الأقاليم الاستوائية شبه الاستوائية ومنها مصر ، بدليل أن الكثير من النباتات النادرة ، التى استقدمها الخديوي اسماعيل ، والتى ما تزال تزين حدائق الأورمان والأزبكية والقصور الملكية ( الجمهورية ) هى نباتات استوائية.
ومع انتعاش الآمال فى مستقبل زراعى مزدهر فى وادى توشكي ، كان البن أحد النباتات المرشحة للزراعة فى المناطق الجديدة ، وتم استقدام العديد من الأصناف العالمية التي زرعت بذورها فى مزرعة أبى زعبل ؛ لاختيار أنسبها تحت الأجواء المصرية . ونظرا لنمو البن طبيعيا فى أجواء غائمة ممطرة (اليمن - البرازيل - السلفادور - فيتنام وغيرها) يرى البعض - ضمانا لنجاح زراعة البن فى مصر - ضرورة توفير نفس الظروف أى تهيئة جو صناعى مظلل ومضبب ( ترتفع فيه نسبة الرطوبة) مما يرفع كثيرا من تكلفة إنتاجية ، بينما أكد آخرون إمكانية زراعة البن فى الأرض المستديمة دون الحاجة الى هذا الجو الصناعى.
ونظراً لأن تجارب ادخال نباتات جديدة الى بلد ما ، تكون دائما فى حاجة الى الإلمام بكافة الجوانب التى تخص تلك الزراغة ، لذا وجب الانتباه الى أن الأخطاء الأولى عادة ما تترك انطباعا سلبيا ليس من السهل إزالته، مثلما حدث فى مصر منذ عدة سنوات ، مع تجربة زراعة نبات الجوار Guar فى مصر ، وهو نبات يزرع فى الصحراء الأمريكية ؛ للحصول من بذوره على صمغ يفيد فى المجالات الصناعية والطبية العديدة ، ولا ينافسه فيها منتج بديل ، لكن عند إدخاله مصر تم الترويج له كعلف صيفى أخضر ، وكان الأصوب تحويله الى سيلاج مجفف ومضغوط ، لاحتواء الأوراق الخضراء على قدر من مادة غير مستحبة للحيوان تتكسر بالتجفيف، كما سمح بزراعته فى أراضى الدلتا ، مما أربك دورتها الزراعية ، لطول بقائه فى الأرض ، وكان الأصواب زراعته فى الأراضي ذات الإنتاجية الضعيفة أو المستصلحة حديثا ؛ لأنه نبات يتحمل العطش والملوحة ، وتثبت جذوره نيتروجين الجو مثل بقية البقوليات ، ولم تهتم جهة ما بتسويق إنتاجه ، وكانت النتيجة أن أحجم المزارعون عن زراعته.
ان البن ينمو بالفعل فى محطة بحوث البساتين بالقناطر الخيرية نموا جيدا ؛ على مساحة تقارب الفدانين ، لكنه ينمو تحت ظلال أشجار المانجو المسنة ، حيث كانت شتلاته قد أهديت الى مصر فى السبعينيات من اليمن.
وهناك بعض الحقائق عن هذه الثروة المنسية ، التى يجب الاستفادة منها:
- تعد الزراعة المظلة - أى الزراعة تحت أشجار تعطى ظلا - هو العامل المحدد الأول لنجاح زراعة البن فى مصر ، لأن تعريض أوراق البن لأشعة الشمس الشديدة يسبب لها الاصفرار واحتراق الأطراف ، وخروج الثمار فارغة عديمة القيمة الاقتصادية.
- ولا يعد المطر أو التشبع الرطوبى ضروريا لنجاح زراعة البن ، بديل أن أشجار البن تحت ظلال المانجو تكتفى بما يوفره لها الظل من رطوبة ، بل ان فترة تصويم المانجو - التى تصل الى 15 يوما - تمر دون إحداث اى ضرر بأشجار البن أسفلها.
- تكتفى أشجار البن بالمعادلات السمادية لأشجار المانجو ، ولا تحتاج إلى معاملات سمادية خاصة.
- لم تظهر أى اصابات مرضية على نباتات البن الكبيرة ، بينما تتعرض البذور فى المشتل لهجوم فطريات سقوط البادرات ؛ التى تقاوم بمعادلة البذور بالمطهرات الفطرية بالمعدلات الموصى بها.
- تحدد مسافات الزراعة تحت الأشجار (1,5*2 متر) ونظام التقليم السنوي كمية المحصول الناتج، والمعروف أن النبات يمكن أن يرتفع الى حوالى 9 أمتار ، لكنه يفضل عدم السماح للأفرع بالارتفاع أكثر من 3 أمتار ، حتى يسهل على الصبية جمع ثمارها.
- أثبت التحليل الكيميائى لبذور البن العربي المنزرع فى مصر ارتفاع محتوى البذور من الأحماض الدهنية ، مقارنة بالبذور المستوردة من هذا الصنف.
المصدر:
د . يوسف السعيد/ أستاذ أمراض النبات/ زراعة الأزهر/ مجلة شمس/ العدد 29