الزراعة هي أقدم الحرف على وجه الأرض ، فالحياة هى الماء والطعام، وحينما فكر الانسان منذ بدء الخليقة فى صنع بعض الأشياء كانت لحرث الأرض واستزراعها، وتطورت أساليب الزراعة واستحدثت بما يتماشى مع تقدم العلوم وبما يساير الزيادة السكانية المطردة عاما بعد عام.
وقد تم تحديث الزراعة فى السنوات الأخيرة بصورة لم تشهدها قرون مضت، حيث تم أساليب الزراعة ومعاملات الثمار والقطف والتخزين والتداول، وتطوير الأصناف حسب الأجواء ونوع الأراضي والأذواق ، كما تم نقل الصفات الوراثية من سلالات برية لها مواصفات تتحمل الملوحة والجفاف ومقاومة الأمراض - لأصناف تجارية مرغوبة تنقصها هذه الميزات ، أيضا استخدام التطعيم على الأصول المقاومة لزراعة أنواع من المحاصيل بأرض لاتصلح فيها أصلا عند الحاجة اليها ، مثل أصول العنب والمانجو المقاومة للملوحة ولزيادة الجير وخلافه ، تلا ذلك ظهور الكثير من التقنيات والصناعات والأدوات كمعامل الهندسة الوراثية ومشتملاتها ، ومعامل زراعة الآنسجة ومكوناتها ، والصوب المكيفة التى تدار بأجهزة الحاسب الألى لتحديد درجات الحرارة والرطوبة والتسميد وخلافه حسب حاجة كل محصول، ثم أجهزة القطف الأوتوماتيكية التى تحدد مواعيد القطف باللون والمواد الصلبة الكلية ، وكذا ألات تدرج الأحجام ، وصناعة العبوات التى تطورت بصورة مذهلة ، حتى أصبح هناك خاصة بكل نوع وصنف .. بل وذوق مستهلك كل دولة ، كما استخدمت الشاحنات المبردة و التبريد السريع - كل هذا جعل من الزراعة صناعة المستقبل ، فالمأكل والمشرب لازمين طالما هناك حياة لبشر.
ولعل من أهم الزراعات التى تحولت بحق الى صناعة ، وحققت فيها مصر نجاحات لابأس بها من ناحية الانتاج النظيف الجيد والعرض الجيد للمنتج فى الأسواق العالمية :
زراعة الفراولة
وهى كما يسمونها الذهب الأحمر ، والفراولة من أقدم محاصيل الخضر فى مصر ، عرفها زراع القليوبية وخاصة منطقة الدير وزراع الشرقية فى أنشاص والمنير ، وكانت المساحة المنزرعة ليست كبيرة وتزرع بالصنف البلدى حيث الطعم والنكهة الممتازين . وكان محصول الفدان من الفراولة لا يتعدى من 1 - 1,5 طن من ثمار صغيرة الحجم سريعى التلف والتى لا تصلح بأى حال من الأحوال للتصدير ! لذا فقد قامت الجهات البحثية بالبحث عن أصناف جديدة تعيش فى أجواء مشابهة لنا ، مرغوبة لدى المستهلك الأوربى أولا ، وبالفعل تم ادخال أصناف البيوجا والبخر والدوجلاس وخلافه.
وقد تم إنشاء أول معمل لزراعة الأنسجة بنفس المركز لإنتاج شتلات محلية بديلا للشتلات المستوردة غالية الثمن، ولتوفير العملات الصعبة ، وتطورت زراعة وصناعة الفراولة فى مصر بصورة سريعة ، حتى أصبحت الفراولة المصرية ذات شهرة كبيرة فى الأسواق الأوربية ، وخاصة السوق الانجليزية ، وتعددت الأسواق والمنافذ حتى أصبحت الفراولة المصرية تصدر لأكثر من 30 دولة عربية وأوربية وأفريقية وأسيوية ، وأخر الأسواق التى دخلتها الفراولة المصرية هى السودان والصين.
وتعتبر الفراولة من محاصيل التصدير ذات المستقبل المشرق خاصة عند الاهتمام والعمل على توفير كافة متطلبات صناعة الفراولة التى تتلخص فى:
أولا:
اختيار الأصناف المرغوبة للأسواق ، والتى تتحمل التداول ، وذات الطعم المقبول (وبالفعل انتشرت زراعة السويت شارل ثم الكماروزا ، والروزلاندا ، والكارلسباد ، والدايمونت) مع استمرار العمل على التطوير المستمر للأصناف حسب مايلائم المستهلكين.
ثانيا:
زيادة معامل الأنسجة وتحسين تقنياتها لتوفير الشتلات المطابقة للأصناف الخالية من الأملراض، وخاصة الفيروسية ؛ لتوفير احتياجات المشاتل والأرض والمستديمة.
ثالثا:
تجهيز وانشاء الصوب محكمة الغلق لتربية أمهات الكثار بعد تعقيم التربة (وقد قطع معهد بحوث أمراض النباتات شوطا كبيرا فى التعقيم الحيوى بعيدا تماما عن المركبات الكيماوية ، وخاصة بروميد الميثايل المستعمل حاليا).
رابعا:
انشاء المشاتل المكشوفة واختيارها فى أماكن معزولة تماما عن الزراعات ؛ وكذا تعقيم التربة واختيار السماد العضوى من مصادر خالية تماما من بذور الحشائش والأمراض والحشرات والنيماتودا (أسمدة مكمورة أو كمبوست).
خامسا:
مراعاة أن تكون حقول الانتاج فى الأراضى تصلح أصلا لزراعة الفراولة ولاتحتفظ بالماء ، وأن تكون مياه الرى قليلة الملوحة (لاتزيد عن 800 جزء / المليون ) لحساسية الفراولة للملوحة وتأثيرها بزيادتها ، كما يجب أن يجب أن يتم تعقيم التربة والأفضل أن يكون التعقيم حيويا أو شمسيا أو بشرائح البلستيك البيضاء.
سادسا :
العمل على تجهيز الشتلات للزراعة من المشتل للحقل مباشرة فى نفس اليوم ، وقرط قمم الجذور لتشجيع النموات الجديدة والرى بالنقاط والرشاش معا للحفاظ على الأوراق خضراء لأكبر مدة ممكنة للأسراع فى خروج الجذور والأوراق الجديدة ، وعادة ما تتم الزراعة من أوائل سبتمبر حتى أواخره ؛ لامكان الانتاج من منتصف نوفمبر .. بداية موسم التصدير.
سابعا:
التسميد والعلاجات، مع استخدام التقنيات الحديثة باستعمال الأسمدة الحامضية والرش الوقائى بالزيوت المعدنية والكبريت، واستعمال مفترسات العناكب وأعفان الثمار، للبعد التام عن السموم ومسببات الأمراض للأنسان ، وهى أهم محاذير الانتاج.
ثامنا:
مراعاة علامات النضج ، وهى خطوة هامة جدا وتحتاج لخبرات عالية لدى عمال وعاملات الجمع للتدريب على اللون المناسب لكل دولة وكل سوق ، وكذا فرز الثمار المشوهة وغير المطابقة لمواصفات الصنف ، خصوصا وأن الجمع حاليا يتم مباشرة فى صندوق التصدير داخل البانت سعة ربع كيلو، وهذا يتطلب خبرة ومران عاليين لضمان تجانس اللون والحجم وطريقة الرص داخل البانت ، ثم تقفيل الكرتونة تمهيدا للتصدير.
تاسعا :
اجراء التبريد السريع لضمان بقاء الثمار صالحة للتسويق لمدة طويلة ، حيث أن كل ساعة تأخير فى اجرائه تقصر من عمر الثمار يوما كاملا عند العرض والتداول.
وهنا أود أن ألفت نظر كافة المستثمرين والمعنيين بتنشيط تصدير الفراولة والخضر والفاكهة والزهور الى عدة نقلط هامة وأوجزها فى الأتى :
- العمل على تصنيع وحدات التبريد السريع المنقولة سهلة التشغيل والصيانة بأسعار فى متناول المزارع المتوسط ، الى جانب الوحدات الكبيرة الثابتة فى محطات التعبئة الكبيرة.
- أن يتم توفير وتصنيع البرادات الناقلة للمحصول ، سواء من الحقول لمحطات الفرز والتعبئة ، وحتى الأن نحن نستورد البانت لعبوات الفراولة وغيرها من الخارج ، رغم اجتهادات بعض المصانع المصرية فى تصنيعها ولكن لم تصل بعد للمواصفات المطلوبة.
- توفير الصالات المبردة فى كافة المطارات والموانىء ؛ للحفاظ على المنتج حتى تصديره سليما.
- تطوير عربات الجمع بالحقول لتسع أكبر عدد من الكراتين ، وتكون سهلة الحركة سهلة الحركة داخل الخطوط ، وفى ارتفاع يريح الجامع والمعبىء.
وفى النهاية فان توافر المعلومات التسويقية لاحتياجات الأسواق الخارجية ، والأنواع والكميات المطلوبة ، والمواعيد والعبوات عامل هام فى نجاح عملية التصدير ، وبالفعل فقد تطورت المعلومات والاتصالات بالأسواق بصورة كبيرة ولكن التطور لا يتوقف حتى تكون الزراعة موجهة بصورة تواكب العصر وتحقق أغراضها.
المصدر:
- م . سعيد عبد المنعم العطار/ وكيل وزارة/ مجلة شمس/ العدد 59